إنها أمانة


لأسابيع مضت أحاول الدخول إلى مدونتي لأكتب عن ثلاث سنوات مضت مع الاطفال . وأمتنع لقولي : بدري ما نضجت الفكرة .

اليوم كانت لي على الهواء حلقة من برنامج الأطفال بينغو وكنت احاور أصدقائي حول المشاهير وقدواتهم ، حول إيجابيات وسلبيات التعلق بالمشاهير وكيفية الإستفادة من تجارب الآخرين . تتفاجأ كمعد ومقدم بأن عينة من الأطفال ” هم من يشاركونك الهواء ” لديهم من المشاهير والقدوات ما يكفي لتشغيل محطة غنائية . لا مجال لذكر أسماء المشاهير لدى أطفال عمّان .. المهم ذكره أنه لم يكن بينهم أيّ رياضي أو ممثل أردني أو مخترع ، كاتب ، شاعر ، قاص ، …

قبل أسبوعين تناولنا حلقة حول السياحة في العاصمة تعبيرا عن حبنا لها في عيد الإستقلال . سألنا المتصلين عن معالم سياحية في العاصمة – سبعة متصلين ذكروا ” وذلك موثق ” أسماء معالم سياحية في العاصمة بقولهم : عجلون وجرش والبحر الميّت والبتراء .

إنني أقدم برامج الاطفال منذ العام 2008 ، تعلمت الكثير من الأطفال وتعمقت في عالمهم ، أتصرف كطفل أحيانا … لا يتعجب من يعرفني .

لست في مرحلة أقيّم بها نفسي ، غير أنني أقلّب دفتر التجارب وأطرح تساؤلات عماهية هذا الجهل والبعد الحقيقي عن ثقافتنا المحلية بأدنى درجاتها ، والذي لمسته مؤخرا لدى الفئات العمرية ” 11 – 16 ” عاما .

فيما سبق كنت أكثف جهودي للعمل على الأطفال في الطفولة المبكرة ، كنا نقدم تسلية وتعليم ونراعي الحاجات النفسية والتربوية لهم . زادنا ذلك حبا وشهرة وقوة . إلاّ أن الدعم المادي يقف حائلا دوم المسير على نفس الوتيرة .

كلما صعدت بالخطاب إلى فئة عمرية أكبر .أشعر بعظم التحدي . لهذا الجيل أفكار مجنونة كيف لنا أن نستوعبها معلميين وأولياء أمور ومسؤولين وإعلاميين إذا لم ندرك أننا في تحد مستمر معهم ، مع حاجاتهم وطاقاتهم و البيئة التي هم فيها الآن ، وتصورنا لما سيكون غدا .

إنها حقا معضلة في أن تبقى محطات التلفاز تبث أفلام كرتون الغالب عليها العنف و فقدان المضمون ، مايزيد الطين بلة أن تحاول بعض المحطات الإذاعية إستغلال برامج الأطفال للحصول على الإعلانات فقط ضاربين بعرض الحائط كل ما يفيد هذا الجيل ويخدمه – تخيل إذاعة تبث برنامجا للاطفال لمدة 50 دقيقة مضمونه أغانٍ وإتصالات يجيب بها المشاركون عن أسمهم وعمرهم والسؤال الموحد فقط ، في نهاية البرنامج يربح أحدهم بالقرعة خمسون دينارا –

كما يمكنني وصفها بالمتخلّفة تلك الصحافة التي تتحفنا كل أسبوع بملحق للأطفال ” معظمه مترجم ” يحمل صورا لأطفال أجانب وأخبارا لا تمس للواقع المحلي بصلة وليس لدى هيئة تحريرها أدنى فكرة عن ماهية جمورها ورأيهم بها .

ليست نظرة سلبية للامور بقدر الحرص على تكاتف الجهود لإتمام العمل على بناء شخصية أطفالنا . كما للأسرة الأثر البالغ فإن للمدرسة بكامل طاقتها دور فاعل في ذلك ، أضعف الإيمان أن يفعـّل نظام الإذاعة المدرسية المنصوص عليه في مواد وزارة التربية والتعليم . وأن يراقب المربون ما يتعرض له الأطفال من وسائل الإعلام و يدركوا أثرها عليهم .

أما عن وسائل الإعلام وإداراتها والعاملين بها ، لا أشك قدر أنمله أنكم درستم عن التربية الإعلامية وأهميتها . لا يكفي ان يتقن الاعلاميون مهارات العمل الاعلامي، دون ان تتسق مع قيم واهداف المجتمع وتحقق المشاركة بينهم وبين التربويين، لاسيما في هذا الزمن، الذي بدأت فيه الانحرافات الفكرية داخليا وخارجيا، وما نجم عنها من اضطرابات، تحاول أن تخل بوظائف المؤسسات الاعلامية والتربوية، في تأمين حاجات الافراد مثل: الحاجة الى الامن الاجتماعي، والحاجة الى سلوك تربوي رشيد، والحاجة الى إعلام متوازن والحاجة إلى قيادات مستقبلية متفتحة ومبدعة لها أصول راسخة .

دعوة لجميع وسائل الإعلام ، فيما يخص أطفالنا لا مجال للحسابات المادية ، اتركوها جانبا ، فأنتم تستثمرون بجيل سيقود المستقبل ويحقق مالم تقدروا على الحلم به . وإنها أمانة .

* محمد فريج – معد ومقدم برامج الاطفال – راديو البلد

3 أفكار على ”إنها أمانة

  1. Enass Musallam

    بدايةً لم يشدني المقال ولم أشأ قراءته .. ولكن بأحد الروابط قرأت المقدمة وشدتني لمتن الموضوع وأعجبني المحتوى بشدة .. حيث أنه ملموس للغاية بواقعنا .. ومن برنامجك يمكنك البدء بالتغيير عزيزي وهذا ما أتمناه 🙂

  2. baraabelbesi

    أبدعت يا محمد كلامك بالصميم
    من غيرنا يحمل هذه الأمانة وإني لأشك إنها ضاعت ولكن قريباً ستعود
    بهمتك وهمة الشباب الخيرين من أبناء هذا البلد الطيب
    وسيسطر الجيل الجديد أسمى أمثلة الرقى والعلم والإبداع والإبتكار

    ويسجل التاريخ هذا الإنتصار
    ^_^

اترك رداً على baraabelbesi إلغاء الرد